داخل سور مدينة دمشق القديمة وعلى مسافة قريبة من المسجد الأموي، يتموضع مقام السيدة رقية بنت الإمام الحسين والذي أطلق عليه سابقاًً اسم مقام الرأس، مقام ديني أثري عريق مغطى من الداخل بالديكورات الفضية والذهبية والنوافذ المزخرفة ويجتذب شهريا آلاف من الزوار الذين يقصدونه، خاصة في شهر رمضان، لمشاهدة الضريح والتقرب من حفيدة النبي محمد بنت الإمام الحسين.
زيادة الوافدين في العشر الأخير من رمضان
يتحدث كامل بيضون أحد الخدم في المقام وقد مضى على خدمته للمقامات الشريفة حوالي 15عام فيقول" شهر الصيام تتفتح به أبواب السماء كونه أنزل فيه القرآن الكريم وفي إحدى لياليه تصدف ليلة القدر لذا يشهد المقام زيادة في الإقبال عليه على مدار اليوم وخاصة في الأيام العشر الأخيرة من رمضان وذلك بسبب تكثيف المؤمنين من عبادتهم والاعتكاف داخل المقام، كما أن هناك عدة عبادات لها خصوصية معينة في الشهر الفضيل لذلك تكثر الزيارات في سبيل التقرب من الله تعالى".
وأضاف البيضون "هذا المقام مكان روحاني تحفه الملائكة يرتاح إليه المتعبد الصائم وهذه الروحانية تشجع الناس إلى القدوم على المكان الطاهر ولكن تزداد نشاطاً وقدوما التماساً لهذه الليلة وإحيائها بالدعاء والتقرب من الله".
شيّد المسجد مؤخرا في عام 1980 حول ضريح السيدة رقية، و يضم داخله العديد من الأروقة كما يحمل المقام تركيبة نحاسية مميزة، أما خارجه فهو أنيق و بسيط نسبياً كما هو الحال عند زيارة المساجد الأخرى.
ويعود تأسيسه إلى سنة 526هـ، وأول من بنى على قبر السيدة رقية السلاطين الأيوبيين، ومن ثم توالت على المرقد عمارات متتالية وفي سنة 1125هـ جدد بناء الضريح ، وفي عام 1323 هـ جدد بناؤه على يد الميرزا علي اصغر خان أمين السلطان ناصر الدين شاه، في حين تمت توسعة المرقد سنة 1399.
أما عن الاختلافات على مستوى زوار المقام أوضح البيضون أن"هذا المقام أحد الأماكن السياحية التي تستقطب السياحة الدينية بشكل كبير ومن كل الأماكن في العالم كونه معلم ديني تاريخي قديم، وتتوزع جنسيات الزائرين فنمهم العرب ومنهم الإيرانيون والخليجيون، كما يقصد المقام بعض الوفود الأجنبية للاطلاع إلى فنون العمارة والتراث الإسلامي".
ملامح المسجد ومساحته
وتبلغ مساحة البناء الجديد حاليا نحو 4000 متر مربع، ومنه 600 متر مربع صحن وفضاء واسع وبقية البناء يؤلف الرواق والحرم والمسجد المجاور للضريح، وفي عام 1408هـ بدل الضريح الذي وضع على القبر في عهد أمين السلطان بضريح آخر، تم صنعه على يد أربعين شخصا من الفنانين البارعين وهو في غاية الجمال والروعة.
وحول دفن السيدة رقية بهذا الموقع التقت سيريانيوز عبد الرسول الموسوي أحد الزائرين حيث قال "بالنسبة لدفن السيدة رقية بهذا الموقع فاتفق الرواة على أنها دفنت في المكان الذي توفيت فيه وذلك إثر وفاة والدها الحسين عليه السلام والأحداث التي تبعت وفاته".
وفيما يخص زيادة إقبال الزائرين إلى المقام في الأيام الأخيرة من رمضان أكد الموسوي أن "الزوار عندما يقصدون هذه المقامات في الليالي العشر الأخير من رمضان فهي بقصد الزيارة وتلمس الخير والبركة بجوار المقام الشريف، إضافة لقدسية هذا الشهر"، لافتاً إلى أن" بيوت آل البيت من البيوت التي يذكر فيها اسم الله لرفعتها ولاستجابة الدعاء فيها كما أن الملائكة تصعد وتهبط فيها فهذا المكان يجذب الزائرين انطلاقاً من مبدأ الآية الكريمة "في بيوت أذن الله أن ترفع فيها اسمه".
وتعلوا المرقد قبة مضلعة ووضع على القبر صخرة من الموزاييك ذات العاج والمرمر، وكتب على الباب أبيات من الشعر العربي من قبل الحاج احمد رضا الشيرازي وهناك قصائد حول القبر منها قصيدة شعرية للمرحوم الدكتور السيد مصطفى جمال الدين تعبر عن روح الولاء لأهل البيت (ع) ومكتوبة بماء الذهب.
وللوقوف على مكانة المقام الأثرية التقت سيريانيوز مدير آثار دمشق غزوان ياغي حيث قال "يحتل مقام السيدة رقية مكانة متميزة بين مقامات آل البيت الموجودة بدمشق في قلوب المؤمنين ويعتبر مكان الزيارة الأول في منطقة دمشق كونه يستقبل شهريا مئات الآلاف من الزوار"، لافتاً إلى أن "المقام حمل اسم السيدة رقية في القرن 12 هجري / 18 ميلادي، حيث أطلق عليه سابقاً اسم مقام الرأس".
تاريخ القبة يرقى للقرن الأول الهجري
وأضاف الياغي أن "تاريخ المقام والقبة يرقى إلى القرن الأول الهجري، ويقع بالجهة الشمالية من مدينة دمشق شمال الجامع الأموي ويبعد عنه حوالي 100 متر، وتحديداً بمنطقة العمارة،" مؤكداً أن "المقام مسجل كأثر منفصل عن مدينة دمشق بالقرار 264/أ تاريخ 1/11/ 1979، كما جدد المقام سنة 1125 هجرية للمرة الأولى، ثم في عام 1323، وأخيراً أوائل الثمانينات".
ولفت الياغي إلى أن "القيمة الأثرية العالية تكمن لصالح المقام نفسه والقبة التي تعلو المقام ولكن ما أحدث بعد سنة 1982 لا تملك القيمة الأثرية بقدر ما تملك القيمة الدينية"، مشيراً إلى أن "عملية التوسعة التي تمت بأوائل الثمانينات شكلت توسعة ضمت القبر والقبة القديمة، واستمرت سنوات عديدة وانتهت في عام 1994 وهي التوسعة الحالية، حيث زادت من قيمة الموقع الديني وتم تجهيزها لاستقبال آلاف الزوار، كما ألحق به مؤخراً معهد دين لتدريس العلوم الشرعية".
التوسع حافظ على عناصر الفن الإسلامي
وحول طريقة بناء وتوسعة المقام والقبة أوضح مدير آثار دمشق أنه "بني على شكل المجمعات الدينية التي بنيت أواخر القرن العشرين مع الحفاظ على عناصر الفن الإسلامي من ناحية التخطيط ووجود الفناء والأروقة والزخارف المعمارية والهندسية وعدم وجود "تصاوير" والاقتصار على الزخارف النباتية والخطية والتركيز عليها داخل المقام"، لافتاً إلى أن "التوسعة أعطت المقام وضع معماري مختلف من حيث أداء وظيفته والعناصر التي أضيفت محدثة لكن تتفق مع طبيعة البناء الأساسي كمزار ديني".
وأضاف الياغي أن "المقام أصبح مزارا يقصد للتبرك في زمن العباسيين معتمدين على الطهارة الكبيرة لطفلة الإمام الحسين ودفن إلى جانبها بعض الشخصيات المهمة كالملك الكامل محمد بن الملك المظفر غازي بن الملك العادل الأيوبي مشيراً إلى أن "المقام الذي احدث بفترة غير بعيدة عن تاريخ وفاة السيدة رقية شدت المسلمين بغرض التبرك والاستشفاء باعتبار المدفون به طفلة صغيرة من آل البيت، أما كمسجد بنى حوله فلا تذكر المصادر التاريخية التفاصيل الدقيقة حول زمن تأسيس مسجد بمحيط المقام".