يقول الدمشقيون : من زار دمشق ولم يزر سوق الحميديه..كانه لم يزرها
على امتداد مايزيد على ميلين اثنين تقع سوق الحميدية الدمشقية العريقة..اشهر اسواق الدنيا ، واكثرها طرافة وجمالا معماريا ، ورونقا..وربما كان اكثرها قدما من حيث تشكلها كسوق تجاوي وصناعي وحرفي ، وقد وصفها ( نعمان قساطلي ) في كتابه الشهير ( الروضة الغناء في دمشق الفيحاء ) الذي طبع للمرة الاولى عام 1879 بانها مدينة فيها اصحاب التجارة وارباب البيع والشراء والاغنياء ، وتباع فيها الاقمشة والبضائع الثمينة ، وسوق الحميدية عمرها اكثر من 100 سنة ومازالت محافظة على اصالتها.
ويسالونك وانت عائد من الشام : هل زرت الحميدية واستمتعت بالتجوال فيها وتبضعت منها ؟..فان قلت : لا..كان جوابهم حاضرا استنكاريا كيف فعلت هذا يارجل ؟ ويصدرون حكمهم عليك..انت لم تكن في الشام ولم تزرها ! فقد ارتبط حضور الزائر الى دمشق بزيارة سوق الحميدية والتجوال فيها الذي يحتاج للاحاطة بالسوق ومعرفة تفاصيلها ثلاثة ايام على الاقل..لان هذه السوق لاتعني الشارع المسقوف الممتد مابين المدخل واعمدة معبد جوبيتير وحسب ، وانما يتعداه الى مايلتحق او يحيط به من اسواق رئيسية سياتي تفصيلها في ما يلي من حديث....
يتداول اهل سوق الحميدية المحدثون ، وزوارها للاسف معلومة ابتدعوها من اسمه حول انشاء هذه السوق العظيمة في حين انشائها والمستمرة عظمتها على مر العصور وتوالي الدهور..فينسبون سوق الحميدية وانشاءها الى عهد السلطان العثماني عبدالحميد الثاني..ويقولون انها انشئت في عهده وسميت باسمه..لكن الحقيقة هي غير ذلك تماما ! فتاريخ بناء سوق الحميدية يعود الى فترة ولاية حمدي باشا او حمدي بك وهو احد الولاة العثمانيين الذين حكموا دمشق وقد بدأ بناؤها عام 1870 ميلادي وانجزت تماما باعمدتها وسقفها القصديري ونوافذها التي تطل منها الشمس ، فتنير عتمة المكان ، ويدخلها الهواء فيتلطف جو المكان سنة 1873..وكان فيها 9600 دكان هي مجموع المحال الصغيرة والكبيرة الموجودة في السوق الرئيسية والاسواق الفرعية ، حسبما تتفق روايتا كل من الكاتبين نعمان قساطلي والكاتب المصري محمد علي باشا في كتابه الرحلة الشامية المطبوع سنة 1907 ميلادي ، ومعلوم ان بين تاريخ بناء السوق وانجازها وتاريخ بدء ولاية السلطان العثماني عبدالحميد زمنا طويلا .
ولمن لم يزر دمشق بعد ، ولا يعرف مكان سوق الحميدية الشهيرة ننقل المعلومات الاتية : تبدأ سوق الحميدية من مدخلها الرئيسي عند تقاطع شارع النصر ع شارع الثورة ومع امتدادها باتجاه ( باب الجابية ) في عقدة تسمى ( الدرويشية ) نسبة الى احد الولاة العثمانيين انذاك ( درويش افندي ) الذي بنى جامعا ومدرسة في هذه النقطة الهامة من دمشق سواء في ذلك الحين او المستمرة حتى يومنا هذا .
وتمتد سوق الحميدية وصولا الى احد فروعها المسمى ( المسكية ) وهو سوق للكتب والقرطاسية ، حتى يصل الى اعمدة ( جوبيتير ) وهي بقايا لمعبد وثني بني ايام الاغريق لم يبق منه سوى اعمدته الرخامية المرمرية الجميلة..والمزينة بكؤوس مزخرفة من الرخام ، والذي يتصل بساحة يعتقد انها كانت فناء للمعبد المذكور ، ليجد الزائر نفسه امام البوابة الرئيسية للجامع الاموي الكبير ، ويحيط بالسوق عدد من الاوابد الاثرية والتاريخية فعلى يمينها تقع قلعة دمشق الشهيرة التي يتقدمها تمثال البطل العربي التاريخي صلاح الدين الايوبي وضريحه الذي يقع بين السوق وبين حي العمارة التاريخي ، وقبل ان يصل زائر سوق الحميدية الى اعمدة جوبيتير ينحرف ، اذا شاهد يسارا ليجد صرحا ثقافيا كبيرا لايزال شاهدا على كون دمشق الشام حاضرة اساسية من حواضر الثقافه والعلم والمعرفه ، الا وهو المكتبة الظاهرية بيبرس ابان فترة حكمه لدمشق ، وبعد تحرير بلاد المشرق العربي الاسلامي من الصليبين .
وتتفرع عن سوق الحميدية وتحاذيها اسواق كثيرة ويقول القساطلي انها تزيد على اثنتي عشرة سوقا..ويقول غيره انها تتجاوز ال21 سوقا وهي اسواق مهنية تخصصية نذكر منها اساسا : سوق مدحت باشا وهي سوق طويلة مسقوفة مثل سوق الحميدية بناها الوالي العثماني مدحت باشا..وسوق البزورية وفيها يباع كل شئ يتعلق بالاغذية والحبوب والبذورات المجففه اضافه الى السمنة العربية والزيوت والبهارات ، وسوق الحريقة المتخصصة بالاقمشة وسوق الخياطين وسوق الصاغة وسوق الناخلية وسوق العصرونية وسوق القباقبية وسوق السروجية ( صناع سروج الخيل ) وسوق الحرير وسوق العرائس المتخصصة بلوازم الاعراس ويسميها السكان سوق تفضلي وسوق الطويل وسوق المسكية وسوق القيشاني الذي تباع فيه الكلف والازرار وسواها وسوق الصوف وسوق القطن وسوق العبي للعباءات العربية..وكي لايمل الزائر او ياخذ التعب منه ماخذه وهو يتجول في سوق الحميدية لم ينس بناة السوق ان يبنوا استراحات وهي عبارة عن محال لبيع الحلويات الشامية الاصلية كالبوظة ذات الانواع المتعددة بالبندق واللوز والجوز والفستق الحلبي والمحلاية والسحلب..كما لم ينس بناة السوق بناء مصليات ومساجد صغيرة الحجم يدخل اليها زائر السوق ليغسل يديه ورجليه بماء الفيجه..ويستطيع زائر سوق الحميدية ان يختتم جولته لـ ( القعدة ) في مقهى ( النوفرة ) الشهير الذي يقام لرواده ، وهم كثر بحيث يحتاج الراغب في تناول كاس من الشاي او فنجان القهوة او اخذ النرجيلة الى الانتظار حتى تخلو احدى الطاولات القليلة ليجلس عليها ويستمتع بالجلسة التي تعد من جلسات العمر .
تحيــــــــــــــــــــــــــاتي،،،